19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.المرصفي: الإسراء والمعراج لتكريم النبي واختبار ايمان أصحابه

25 مايو 2014

** منحة ربّانيـّة للرسول صلى الله عليه وسلم ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور

** الرحلة جاءت اختباراً لمـدى ثـبات الصحابة عـلى الإيمـان واستجــابتهم إلى تحقيـق الغاية من رسالة الاسلام

** آية الإسراء كانت بلسماً لجراح بشريّة محمد صلى الله عليه وسلم التي نالها أعداء الحقّ والخير بالإيذاء

** رحلة الإسراء والمعراج وقعت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بحالته البشرية الكاملة جسدا وروحاً

جاءت رحلة الإسراء والمعراج رحمة من الله تعالى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث شاهد من آيات ربّه ما شاهد، وعاين من أمارات العناية به وبدعوته ما زاده يقيناً إلى يقين بنجاح دعوته، وتبليغ رسالته، والنصر على أعدائه، وأطلعه الله على ما زاد النفس رضًى، والقلب نوراً، والرّوح أنساً.

العالم الأزهري الجليل وأستاذ الحديث وعلومه د.سعد المرصفي يؤكد أن رحلة الإسراء والمعراج كانت منحة ربّانيـّة للرسول صلى الله عليه وسلم لتثبيته على طريق المقاومة الطويل، ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وتكريماً له صلى الله عليه وسلم في أعقاب سنين طويلة من الصبر والمثابرة، والصمود والكفاح، وهي أيضا آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، وقد جاءت تتويجاً لسنوات صعبة عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد رفعه إلى السماوات، وأطلعه على جوانب الإعجاز في الكون الكبير.

ويقول د.المرصفي: كما جـاءت الرحلة امتحـانـاً لإيمـان الصحـابـة وتصـديقهم بكـل ما يخبـر بـه، ويدعو إليه، واختباراً لمـدى ثـباتهم عـلى الإيمـان، واستجــابتهم إلى تحقيـق الغاية من رسالته، وهي إخراج الناس من عبوديّة الشيطـان إلى عـبادة الرحمن وهو مدى رحب تتجاوز أبعاده الملموس والمحسوس والمسموع والمنظور.. ويتأتّى عن الوقائع، ويمتدّ بعيداً بعيداً صوب الآفاق التي ترفع قدر الإنسان، مشيرا إلى أنها كانت أيضا تمحيصًا من الله للمؤمنين، وتمييزًا للصادقين منهم، حتى يكونوا خَلِيقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف.

مفهوم الإسراء والمعراج

ويرصد أستاذ الحديث وعلومه مفهوم الإسراء لغة بأنه مصدر أسرى، مأخوذ من السرى، وهو سير الليل، تقول: أسرى وسرى إذا سار ليلاً بمعنى، هذا قول الأكثر، وقال الحوفي: أسرى: سار ليلاً، وسرى: سار نهاراً، وقيل: أسرى: سار من أول الليل، وسرى: سار من آخره، وهذا أقرب، مشيرا الى أن الإسراء هي تلك الرحلة الأرضيَّة وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقُدْرَة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].

أما مفهوم المعراج –كما يرصده د.المرصفي - فهو مفعال من العروج، ويطلق على الصعود، وكأنه آلة له، وأصله: عَرَج ـ بفتح الراء ـ يعرُج ـ بضمّها: يصعد، والمقصود به الرحلة السماويَّة والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:13-18]، ويطلق المعراج على صعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبع وما فوقها، ورجوعه في جزء من الليل.

في ظلال آية الإسراء

وحول ظلال الآية الكريمة {سٍبًحّانّ الّذٌي أّسًرّى" بٌعّبًدٌهٌ لّيًلاْ مٌنّ المّسًجٌدٌ الحّرّامٌ إلّى الًمّسًجٌدٌ الأّقًصّا الّذٌي بّارّكًنّا حّوًلّهٍ لٌنٍرٌيّهٍ مٌنً آيّاتٌنّا إنَّهٍ هٍوّ السَّمٌيعٍ البّصٌيرٍ } (الإسراء)، يقول د. المرصفي إن آية الإسراء في جوّها الخاصّ والعامّ بلسماً لجراح بشريّة محمد صلى الله عليه وسلم التي نالها أعداء الحقّ والخير بالإيذاء، وكانت سراجاً وهّاجاً أضاء الطّريق أمام دعوته إلى الله، وكانت نوراً تبلج من آفاق العناية الربّانيـّة علماً ومعرفة، وشرفاً وفضلاً، ليقيم له صلى الله عليه وسلم ولدعوته ورسالته الخالدة الخاتمة معالم الطريق الذي أسّس على الكفاح الصبور، في سبيل الحقّ والخير والهُدى والإصلاح، بغير إعجاز مادّيّ يُـكرِه الناس على الاستجابة إلى الإيمان بالدّعوة، ليكون ذلك رسماً لطريق الدّعوة إلى الله أينما كانت، ومَعْلَماً للدّعاة إلى الله، حيثما كانوا وكيفما كانوا.

ويواصل د. سعد المرصفي قراءته لآية الإسراء قائلا: إنها في حقيقتها ومقاصدها صورةً جامعةً للقدوة في العلم والمعرفة، والعمل لإصلاح الحياة، وبُشرى بابتداء عهد البناء والمعرفة، ومطالعة آيات الله في ملكوت السماوات والأرض المسخّرة للإنسان، وتحقيقاً لخلافة الأمّة التي يربّيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم بعقيدته وتعبّداته وشرائعه وأحكامه، وسياسته، وآدابه، ونظمه ومناهجه في الحياة، لتقيم من هذه العقائد والتعبّدات والشّرائع والآداب والنّظم والمناهج بناءً شامخاً تأوي إليه الإنسانيّة إخوةً متحابّين، لتكون خير أمّة أُخرجت للناس.

وآية الإسراء- كما يوضح د. المرصفي- أشرف آية مادّيـّة حسيّة أوتيها نبيٌّ من رسل الله، وهي أجلّ ما أعطيه محمد الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين من الآيات الحسّـيّـة، والكرامات المادّيـّـة، وهي في فضلها وعظمة الحفاوة تالية للقرآن الكريم في روعة دلالتها على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعموم رسالته وخلودها، وما له عند الله من مكانة ورفعة شأن، مـمَّا فُـضِّل به على جميع الأنبياء والمرسلين بعد القرآن العظيم.

الروح والجسد معا

ويحرر د.المرصفي مسألة الاسراء بالروح والجسد والتي طالما كثر حولها الجدل قائلا: إن هذه الرحلة وقعت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بحالته الطبيعيّة الكاملة بشريّةً وروحاً، فلم تفقد روحه جسمه، ولم يُفارق جسمه روحَه، بل أسرى بهما ربّ العزة جل شأنه، وهذه الحالة الكاملة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم التي لا تفارق فيها الرُّوح جسمَها المقدور لها في الحياة به ومعه في تلازم امتزاجيّ لا يعرف حقيقته إلا الله تعالى هي التي يطلق عليها في لغة العرب عند التفاهم، وفي عرف الناس كافّةً عند التعامل تعريفاً لفظ (عبد)، كما جاء في آية الإسراء ويتأكّد ذلك بإضافة التشريف والتكريم لهذا العبد المكرّم التي خصّه الله بها في هذا المقام، فقال: {سٍبًحّانّ الذٌي أّسًرّى" بٌعّبًدٌهٌ} لاستشعار وقوع ما لم يكن في حسبان العقول، وقد جرى عرف القرآن الأسلوبي على ذلك، فقال تعالى: {وّأّنَّهٍ لّـمَّا قّامّ عّبًدٍ اللهٌ يّدًعٍوهٍ} (الجن:91)، والقائم الذي يدعو الله هو الشخص المؤلف من روح وجسد، ويزيد ذلك تأكيداً تحديد مبدأ الإسراء ونهايته، وهذا في المتعارف لدى العقول لا يقال إلا في أمر مادّيّ يفيد الانتقال من مكان إلى مكان.

التصديق والقبول

وشدد د. المرصفي على أن الإسراء كان قطعاً بمقتضى منطوق الآية الكريمة ومفهومها وإشاراتها ولوائحها بأكمل ما يطلق عليه لفظ (عبد)، وهو شخص النبيّ صلى الله عليه وسلم المكوّن من روحه وجسده، لم تُفارق روحُه جسدَه، ولم يفقد جسدُه روحَه في جميع لحظات الرحلة المباركة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ذهاباً وأوبةً، فلا وجه مطلقاً لصرف هذه الحقيقة عن وجهها الذي تدلّ عليه الآية دلالةً بيّنةً، ولا شك أن قطع مسافة تضرب أكباد الإبل لقطعها شهراً مصعدةً، وشهراً آيبةً، في جزء من الليل أمر خارق لنواميس الطبيعة وقوانينها، ونظمها التي أقامها الله على سنن عامّة في ترابط ذرّات الكون وعناصره، تسير عليها منذ أوجد الله تعالى بقدرته هذا الكون العظيم.

وأوضح د. المرصفي أن الأمور المستبعدة عادة لتعاظمها، لا تألفها مدارك العقول في متعارف الحياة، وقد تنكرها لأوّل وهلة، نظراً للسنن العامّة التي قام عليها نظام الكون وطبيعة الترابط بين عناصره ومكوّناته، فإذا رُميت بسهم التأمّل ومعرفة اقتدار الله تعالى وقهره لكل مخلوق له من مادّة أو نظام، رجعت العقول إلى التصديق والقبول، ما لم يصدّها العناد المستكبر، وآمنت بأن لله تعالى في عظمة اقتداره وقهر سلطانه سنناً خاصّة لها أسبابها ومناسباتها وأزمانها وأحداثها ودواعيها؛ لأن الألوهيّة الحقّة القاهرة القادرة المدبّرة الحكيمة لا تقيّدها سنن مخلوقة لها مرئيّة أو معلومة، لدى العقول، أو معتادة في متعارف الحياة ومألوفاتها، بل إن هذه الألوهيّة الحقّة تقتضي أن يكون الإطلاق الكامل حقــا لها في مشيئة كينونة ما تشاء كونه.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت